home page

Tuesday, May 20, 2008

حكم الإلتزام بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم بإقامته للدولة الإسلامية

جواب سؤال ميلانكو بوالزيد في الديوانية ...

ويعتبر السؤال الموجود أسفل أشبه بسؤال ميلانكو وأعم ..


الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :

فضيلة الشيخ حفظك الله تعالى يتناقل بعض الأشخاص مسألة إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في طريقته لإقامة الدولة الإسلامية ويجعلون تلك الطريقة الشرعية الوحيدة التي يجب على المسلمين إتباعها ويحرم عليهم مخالفتها ، فهل صحيح ما يقولون ؟ مع ذكر الأدلة على ذلك ونشر الإجابة لحاجة الناس إليها علماً بأني أنوب بهذا السؤال عن مجموعة من طلبة العلم ،سائلين المولى عز وجل أن يحفظك وينفع بعلمك أمين .


الحمد لله رب العالمين ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد :

فاعلم أخي الحبيب ، أن الواجب ما أوجبه الله سبحانه في كتابه ،وأوجبه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته ، وما أجمعت الأمة على وجوبه وما دون ذلك فيعرض على الكتاب والسنة ولا عبرة في مخالفة المخالف ولا كرامة قال تعالى : ( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُون ) . النحلَ (116)

وهذه المسألة التي نحن بصددها من المسائل التي وقع الخلاف فيها ، وافترقت الأمة لأجلها ولو ردت إلى الكتاب والسنة لرفع الخلاف وقضي الأمر قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) . النساء( 59 )
ونحن أخي الحبيب نبين حكمها لأمرين ،الأول : استجابة لطلبكم الكريم . والثاني بياناً للعلم الذي توعد الله من كتمه بالعذاب الأليم إذ قال : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) . البقرة (160) وعليه نقول مستعينين بالله متوكلين عليه إن ما ينادون به من وجوب إتباع طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في إقامة الدولة الإسلامية وهي ما يقسمونه إلى ثلاث مراحل ، التثقيف السري ، التفاعل الفكري ، طلب النصرة ، خطأ فادح وجهل عظيم بقواعد الشريعة الحنيفية ، وتقوّل على الله بغير علم وذلك للأمور التالية :
أولاً : إن هذه الطريقة لم تكن طريقة لإقامة الدولة الإسلامية ، بل كانت مراحل لنشر الإسلام وتمكينه ، فإن الدولة الإسلامية بحد ذاتها مرحلة من مراحل تمكين الدين وهي تهدف إلى توحيد المسلمين تحت إمرة خليفة واحد ، وإقامة الحدود ، وحمل الناس على التزام أحكام هذا الدين ، ومن هنا تبعها الجهاد في سبيل الله لنشر الدعوة في شتى بقاع الأرض ، وليس الخلاف متعلقاً بوجوب العمل لإقامة الدولة ، إنما بالتزام هذه الطريقة وجعلها شرطاً أساسياً للعمل ، وهذا ما نخالفه ولا نسلم به .والمدقق في هذه المراحل يجدها مراحل أساسية لا تستغني عنها الجماعة الأولى للأسباب التالية :

1 : المرحلة السرية : وهي مرحلة سبقت مرحلة الجهر بالدعوة وذلك بغية تأسيس أفراد مؤمنين تحصلوا على حقيقة الإيمان بما دعاهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ،وإلا لن يستطيعوا الدفاع عن هذه الدعوة والعمل على نشرها وتمكينها ، خاصة وأن وسائل الصد عنها ستكون شديدة للغاية وهذا ما ظهر جلياً في المرحلة بعدها ، فلو جهر المسلمون بدعوتهم مباشرة قبل أن تترسخ العقيدة في نفوسهم لسهل عليهم الرجوع عنها وعدم الثبات عليها لذا كان من الضروري أن يؤمن بهذه العقيدة الحقة من التزمها بعيداً عن أعين وترقب الكافرين ليصبح قادراً على الثبات عليها والقيام بها على أكمل وجه ، فإن قال قائل : الأمة اليوم بحاجة إلى هذه السرية للتوافق بين الواقعين واقع الرسول صلى الله عليه وسلم ، وواقع الأمة اليوم . نقول : هذا قياس مع الفارق ، فإن الدعوة بداية الأمر لم تكن مكتملة أو محفوظة بل جاءت على مراحل حتى أتم الله سبحانه هذا الأمر وحفظه من الباطل قال تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون ) .الحجرَ (9) وقال سبحانه : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم ) . المائدة (3) فقد حفظ الله سبحانه دينه وأكمله وأتمه وأقام له فئة تنصره وتظهره إلى يوم الدين كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح ، قال صلى الله عليه وسلم:( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمرالله) . رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم:( إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ، ولا تزال طائفة من أمتي منصورين ، لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة ). صحيح رواه أحمد

وهذا ما لم يتحقق في المرحلة الأولى في الجماعة الأولى ، فكما ذكرت أن المسلمين بداية الأمر كانوا قلة وبحاجة إلى تثبيت لدعوتهم وأنفسهم ، على خلاف واقع اليوم فإن الدين محفوظ بحفظ الله له وقد أكمله الله سبحانه وأتمه.

2 : لقد جاءت المرحلة الثانية ناسخة للمرحلة الأولى ومبطلة لها وذلك من خلال قوله سبحانه : (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِين) . الحجر َ (95) ) . فبعد أن أصبح حول الرسول صلى الله عليه وسلم فئة مؤمنة ثابتة لا تقدم الدنيا على الآخرة أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بالجهر بدعوته مبطلاً بذلك ما سبق من سرية الدعوة ، وكان ذلك من خلال أمرين الأول: الجهر بالدعوة ،الثاني : إظهار أصحابها ، كما جاء في السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم حين نزلت عليه الآية الكريمة خرج بالمؤمنين صفين يجوب بهم شعاب مكة مجهرين بدعوتهم ، ومن الجدير ذكره أن الصراع الذي أطلق عليه الصراع الفكري لم يكن فيما بين المسلمين إنما كان بين المسلمين والكافرين ، وعليه لم تكن دعوة المسلمين للكافرين متعلقة بالتحاكم إلى شرع الله سبحانه ، بل كانت دعوة لهم لاعتناق الإسلام وهذا واضح للغاية على خلاف أصحاب هذه النظرية فهم يجعلون الصراع صراعاً داخلياً ، أي صراعاً داخل دائرة الإسلام مما جعلهم يخرجون عن حقيقة الإتباع ،وبهذا يتبين لك ما قدمناه من كون طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن لإقامة الدولة إنما مرحلة من مراحل نشر الإسلام .- فادعاء وجوب التزام طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في العمل لإقامة الدولة الإسلامية إدعاء مجرد عن الدليل لا يسار إليه إذ إن الطريقة التي التزمها رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن إلا مرحلة صراع بين الإيمان والكفر لا علاقة لها بتطبيق النظام إذ لا يعقل أن يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم الكفار إلى تطبيق النظام دون وجود النظام فتنبه لذلك فهو نفيس جداً -

3 : وهو ما يتعلق بطلب النصرة وقد ثبت ذلك بفعله صلى الله عليه وسلم إذ عرض نفسه على القبائل طالباً منهم نصرة دينه وحماية المسلمين ، والمتأمل في طريقة القوم يجدها مخالفة لفعله صلى الله عليه وسلم فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يطلب النصرة من المسلمين ولم يشترط ذلك ، فقد كان يطلبها من المشركين ويشترط عليهم الإسلام ، وأما هؤلاء فهم يحصرون القضية في المسلمين ولا يخرجون عن نطاقهم متذرعين بأن استجابة المسلمين أقرب ،وهذا تبرير لا أصل له إذ هم من أوجب إتباع طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم ويعرفون الإتباع بقولهم :أن يفعل مثل فعله على وجه فعله لأجل فعله. وما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم هو طلب النصرة من الكافرين مع اشطراته عليهم دخول الإسلام .وهم لا يطلبون النصرة إلا من المسلمين مخالفين بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو قالوا بأننا سنطلب النصرة من الكافرين ونشترط عليهم دخول الإسلام كما فعل ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لعلم جهلهم وفساد مذهبهم فتأمل ذلك يرحمك الله تعالى .

ثانياً : إن الطريقة التي التزمها صلى الله عليه وسلم لا دليل على وجوبها فزيادة على ما ذكرنا من أدلة ، فأنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر الصحابة بذلك ولم يؤثر عن أحدهم أنه شارك الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا العمل ، ولو كان الأمر واجباً لطلب منهم ذلك ، وكما هو مقرر في الأصول فإن الواجب ينقسم من حيث الأداء إلى قسمين لا ثالث لهما ، واجب العين ، وواجب الكفاية ، والفرق بين الواجبين ، أن واجب العين يتحتم على كل فرد مسلم بعينه لا ينوب عنه غيره ، وأما واجب الكفاية ، فإن قام به البعض سقط عن الباقين ، ومعنى قام به البعض أي تحقق قيامه ،ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطلب من الصحابة مشاركته في الأمر ، ولم يؤثر عن الصحابة أنهم شاركوه في الأمر رغم طول الفترة وشدة الحال ،مما يجعلنا نوقن بأن الأمر خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم ولا يطلب ذلك من المسلمين ،فإن فعله صلى الله عليه وسلم ينقسم إلى قسمين فقد يكون فعله خاصاً به كالقضية التي نحن بصددها ، وقد يكون عاماً وهو أقسام ، أن يكون الفعل واجباً إما على العين أو الكفاية ، وإما أن يكون مندوباً ، وإما أن يكون مباحاً ، وكل فعل من هذه الأفعال يحتاج إلى دليل خاص إذ لا يعرف حكم فعله صلى الله عليه وسلم إلا بقرينة ، على خلاف قوله ، ولا قرينة هنا تدل على الوجوب ، بل الدليل القاطع يدل على أن كون الفعل خاصاً بالرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا يقال إن إصرار الرسول على هذا الأمر يعتبر دليلاً على وجوبه وذلك من أمرين . الأول : أن مجرد الفعل لا يدل على الوجوب فهنالك أعمال كثيرة كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحرص عليها كركعتي الفجر ، وصلاة الوتر ،ومع ذلك لم يقل أحد من أهل العلم بوجوبهما لعدم ترك الرسول صلى الله عليه وسلم لهما.

الثاني : أن الأمر لو كان واجباً لطلب صلى الله عليه وسلم من المسلمين مشاركته إذ القاعدة الشرعية تدل على أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ،خاصة وأن المسلمين كانوا أشد الحاجة إلى الأمن والتمكين ، بل لمّا هاجر المسلمون إلى الحبشة لم يأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يطلبوا النصرة للمسلمين منه رغم معرفته صلى الله عليه وسلم بملك الحبشة وأنه لا يظلم عنده أحد ، وبهذا يتبين لك أن ما قام به صلى الله عليه وسلم من عرض نفسه على القبائل طالباً النصرة فعل خاص به لا يتعدى غيره .

ثالثاً : اعلم يرحمك الله أن الواجب تقديم التربية على الحكم ، وهذا ما قد دلت عليه النصوص الشرعية منها قوله تعالى : ( كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ) . البقرة(151) فقد قدم الله سبحانه التزكية على الحكم وذلك أن الله سبحانه لا ينصر ويستخلف إلا المؤمنين كما في قوله تعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) . النور (55) وقال سبحانه : (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) .السجدة (24) وقال سبحانه : (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين ) . البقرة َ (124)وقال سبحانه : ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) . يوسف (22) فهذه آيات دالة على أن الله سبحانه لا يستخلف إلا المؤمنين بل قد جاءت الأحاديث واضحة بأنه إذا كثر الفساد في الأمة فما يترتب عليها هو الهلاك وذلك فيما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (دخل فزعا يقول لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد أقترب، قيل: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ فقال: نعم إذا كثر الخبث). وفي حديث آخر يبن صلى الله عليه وسلم أن الأمة لو تركت ما عليها من واجبات واتبعت الشهوات والملذات يترتب عليها الهلاك ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم) رواه البخاري ومسلم وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: (إذا فتحت عليكم فارس والروم، أي قوم أنتم؟ قال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله، قال رسول صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك: تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون). فلا تستخلف الأمة مع وجود عوامل الهلاك بل قد دلت النصوص على نقيض ذلك كما بينا فالإيمان مقدم على العمل ، ولا نصر إلا بالإيمان وهذا ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قدم الإيمان على العمل ثم بعد ذلك تفرع ويظهر ذلك واضحاً من هذين الأثرين الأول عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت :( أول ما نزل منه سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدا، لقد نزل بمكة على محمد (صلى الله عليه وسلم) وإنى لجارية ألعب: (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر). وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده) . والثاني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه قال : (لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها وما ينبغي أن يوقف عنده منها كما تتعلمون أنتم القرآن اليوم ولقد رأينا اليوم رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما أمره ولا زجره ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه )‏.‏ ومن خلال ما ذكرنا ندرك أن الأمة حتى يتحقق لها النصر لا بد أن تتحقق على الإيمان ، وهذا ما لا نراه في هذه الطريقة إذ يعكف أصحابها على العمل لاستلام الحكم من غير أن يكون الوضع العام مهيأ وهذا ما لا يتم لهم أبداً من بابين ، الأول مخالفتهم لهدي النبي صلى الله عليه وسلم . والثاني : لكثرة الفساد المنتشر في الأمة ، وهل كان هدم الخلافة الإسلامية إلا نتيجة ذلك ؟ وفقك الله لما يحبه ويرضاه .

رابعاً : لقد ذكرنا فيما مضى أن الإسلام دين كامل لم يترك شاردة ولا واردة إلا وأعطاها حكمها حتى أبسط ما يحتاج إليه الناس ، فكيف يغفل عن مسألة عظيمة كهذه تتوقف عليها أمور كثيرة عظيمة من أبرزها تعطيل الحدود ،وتضييع الفرائض ، وتفرق الأمة ، وما إلى ذلك ، فالتحاكم إلى شرع الله واجب ولا يتم ذلك إلا من خلال الدولة الإسلامية التي تطبق النظام على الناس وهذا من المسائل المعلومة من الدين بالضرورة ولما كانت الخلافة عرضة للسقوط كما دلت على ذلك أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم : ( تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون مُلكاً عاضاً فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون مُلكاً جبرياً فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تعمل في الناس بسنة النبي ويلقى الإسلام جراءة في الأرض يرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض لا تدع السماء من قطر إلا صبته مدراراً، ولا تدع الأرض من نباتها ولا بركاتها شيئاً إلا أخرجته). ذكره حذيفة مرفوعاً ورواه الحافظ العراقي من طريق أحمد وقال هذا حسن صحيح. فهذا الحديث يدل على ذهاب الحكم الشرعي ويصبح حكماً جبرياً وهذا ما نعايشه اليوم ولا يشك أحد بذلك .وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم الطريق الذي يجب على الأمة أن تنتهجه إذا ترك الحكم بما أنزل الله سبحانه ويتضح ذلك من خلال تقسيم الحكام إلى ثلاثة أقسام كما في النصوص الصحيحة وهي : الخلفاء الراشدون . والأئمة الظالمون ، والحكام الذين أظهروا الكفر البواح ودليل ذلك التقسيم .

أولاً :الخلفاء الراشدون : ودليله ما رواه العرباض بن سارية ، قال :

( وعظنا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم يوماً بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ، ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب . فقال رجل : إن هذه موعظة مودّعٍ ، فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال : أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن عبد حبشي ، فإنه من يعش منكم يرى اختلافاً كثيراً ، وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة ، فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديّين ، عضّوا عليها بالنواجذ).
رواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح.

وأما دليل القسم الثاني ، وهم الأئمة الظالمون فقوله صلى الله عليه وسلم : (ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا ).

وأما دليل القسم الثالث فقوله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: قال : ( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله "، وقال: " إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان ) .أخرجه مسلم

فالحاكم إما أن يكون خليفة راشداً ، وإما أن يكون إماماً مسلماً يخلط بين العدل والظلم ، وإما أن يكون مظهراً للكفر البواح ، فأما الخليفة الراشد فطاعته واجبة والخروج عليه محرم بل يهدر دم الخارج على الخليفة الراشد لمفارقته للجماعة كما جاء في الحديث الذي رواه الإمامان البخاري ومسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) .

وأما الخليفة الظالم فقد اختلف أهل العلم هل يخرج عليه إذا عم ضرره واستطار شرره وأصبح ميئوساً من إصلاحه على قولين أرجحهما تحريم الخروج لما يترتب على ذلك من فساد عظيم ومن الأدلة على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( تسمع وتُطيع للأمير، وإن ضُرِبَ ظهرُك وأُخذ مالُك، فاسمع وأطع ) .رواه مسلم في صحيحه من حديث حذيفة -رضي الله عنه- . وهذه الزيادة صحيحة ولطريقها متابعان ، انظر تخريجهما في السلسلة الصحيحة(4/399-400) ولها شاهد من حديث عبادة -رضي الله عنه- وأثر عن عمر. عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (اسمع وأطع ، في عُسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك ، وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك ) .رواه الإمام أحمد في المسند وابن حبان في صحيحه وابن أبي عاصم في السنة والديلمي في مسنده وسنده صحيح. وعن سُويد بن غَفَلَة قال: قال لي عمرُ: يا أبا أمية ، إني لا أدري لعلي أن لا ألقاك بعد عامي هذا ، فاسمع وأطع ، وإن أُمِّر عليك عبد حبشي مجدَّع فاسمع له وأطع ، إن ضربك فاصبر ، وإن حرمك فاصبر ، وإن أراد أمراً ينتقص دينَكَ فقل: سمعٌ وطاعةٌ ، دمي دون ديني ، ولا تفارق الجماعة). رواه ابن أبي شيبة والخلال في السنة ، والآجري في الشريعة ، والبيهقي في السنن الكبرى وغيرهم .

وأما القسم الثالث ، وهم الذين أظهروا الكفر البواح فإن الخروج عليهم واجب كما دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح حين سئل هل ننابذهم بالسيف قال : ( لا إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان ) .

والحكام في هذا الزمان لا يخرجون عن هذه الأقسام الثلاثة ، فإن كانوا خلفاء راشدين فطاعتهم واجبة ويحرم الخروج عليهم بإطلاق ، وإن كانوا ظالمين ، فالواجب الصبر عليهم وعدم الخروج لما أسلفنا من أدلة ، إلا أنه لا يمنع من محاسبتهم والإنكار عليهم كما في قوله صلى الله عليه وسلم :

: ( سيكون أمراء تعرفون وتنكرون، فمن نابذهم نجا، ومن اعتزلهم سَلِم، ومن خالطهم هلك" وقوله صلّى الله عليه وسلّم : "إنه يُستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتُنكِرون، فمن كَرِهَ فقد بَرِئ، ومن أنكر فقد سَلِم، ولكن من رضي وتابع ) .

وأما إن كانوا مظهرين للكفر البواح فوجبت منابذتهم بالسلاح . وعليه فالواجب إن كان الحكام كفاراً أن نخرج عليهم لا أن نرجع إلى طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم كما يدعي أولئك ، وإن قال قائل هذا الحكم متعلق بكون الحاكم مسلماً ثم كفر ، لا بمن يكون كافراً ابتداء . أقول : هذا قول ساقط يدل على جهل قائله فالحديث صريح بأن الحاكم إذا أظهر الكفر البواح وجب الخروج عليه ولا يدل الدليل على كفره ، فحكمنا على المسألة شيء ، وحكمنا على المعين شيء آخر ، فلا يشترط من كون الحاكم مظهراً للكفر البواح أن يكون كافراً إلا إذا انتفت عنه موانع التكفير الأربعة وهي : الجهل ، التأويل ،الإكراه ، الخطأ ، فإذا انتفت عنه هذه الموانع بعد قيام الحجة عليه حكم بكفره ،وموضوع بحثنا متعلق بإظهاره للكفر إذ قوله صلى الله عليه وسلم : ( إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان ) . متعلق بما يظهر لنا منه ولا عبرة بما يبطن ،فالرؤيا هنا الرؤيا العينية وليست الرؤيا القلبية فبواحاً نعت للكفر وليس مفعولاً ثانياً لتروا فتنبه لذلك ،وثمة أمر آخر وهو أننا لا نستطيع أن نحكم بالكفر على المعين قبل صدور الكفر عنه أي كيف نحكم على الحاكم بالكفر قبل توليه للحكم ؟! فنحن نحكم بالكفر على الحاكم لكونه لا يحكم بما أنزل الله سبحانه وهذا لا يكون إلا بعد تسلمه الحكم ،بل هذا مخالف حتى لقواعدهم التي يبنون عليها ، فهم يعرفون الإيمان بأنه : تصديق جازم مطابق للواقع عن دليل . فهم يخرجون العمل عن مسمى الإيمان معتمدين بذلك على قواعد المرجئة الذين لا يجعلون العمل من الإيمان وهذا ما يظهر جلياً من خلال تعريفهم للإيمان ، فهو عندهم تصديق جازم أي من صدق تصديقاً جازماً بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهو مؤمن وإن ترك العمل ، لذا فهم لا يكفرون بمجرد العمل أو الترك ، وعليه فهم لا يستطيعون أن يكفروا الحاكم لمجرد تركه للحكم بل لا بد من تحقق كفره وهذا لا يكون إلا بالاعتقاد فهم أمام حالتين ، الأولى أن يكونوا قد شقوا عن قلب الحاكم فعلموا ما بطن في نفسه من الكفر ، وهذا مستحيل ، الثانية : أن يكون الحاكم قد صرح بالكفر ، وهذا ما لم نسمعه من أحد الحكام إذن فلا سبيل لهم لتكفير الحاكم ، فينتقض قولهم حتى على مذهبهم وإن كنت لا أشك بكون معظمهم لا يدركون ذلك .

وعليه ، فالواجب على الأمة إذا رأت من الحاكم الكفر البواح أن تنابذه بالسيف لا أن ترجع إلى طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى تقيم الدولة .

خامساً : إن هذا القول :-وجوب إتباع طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم بإقامة الدولة الإسلامية- قول لا سلف لهم به وهو قول مردود ، إذ لو كان الأمر كما يقولون لذكر العلماء ذلك خاصة وأن الأحاديث الصحيحة أرشدت إلى إمكانية ضياع الخلافة ، وعليه يكون قولهم لا أصل له وهو يندرج تحت باب البدع التي حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من الوقوع فيها ومن ذلك :( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) . متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح : (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) .

وعليه فلا يلتفت إلى مذهبهم لمخالفته للنصوص الصريحة ، وعدم ثبوته في أقوال أهل العلم المعتبرين من أهل السنة والجماعة ، والله سبحانه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .

تنبيه : اعلم يرحمك الله تعالى : أن العمل لإقامة الدولة الإسلامية واجب على كل مسلم ومسلمة ، والأدلة على ذلك كثيرة معلومة ، ولا يكون ذلك إلا من خلال التوطئة والعمل الدؤوب بما يتوافق مع النصوص الثابتة من أبرزها ترسيخ العقيدة الحقة في النفوس المسلمة ، والبعد عن كل ما يخالف النصوص الشرعية من خلال التربية والتزكية ، وليس موضوعنا البحث في كيفية العمل ، إنما الرد على السؤال في حكم التزام طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم بإقامته للدولة الإسلامية ، هذا وبالله التوفيق وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

3 comments:

CAPITANOO said...

آسف على الإطالة

ولكن هذا جواب السؤال ولا يمكن إختصار الإجابة وذلك بسبب الشبه الكبيرة التي تصاحب هذا السؤال ومن واجبنا توضيح الأمر من كل جوانبه بالأدلة الشرعية .

Milanco said...

allah yejzak kheer ya sheekh laken netmana menek it7e6 isem alsheek ily kateb hal mawthoo3, washukran

CAPITANOO said...

بقلم : الشيخ إبراهيم بن عبد العزيز
المشرف العام على شبكة أهل السنة الإسلام